احصائيات حول التجربة الديمقراطية الثالثة ( 5 )
بكرى سوركناب
التجربة الديمقراطية الثالثة لم تستفد من دروس الماضي والدكتاتورية
العسكرية التي استمرت ستة عشر عاماً وخير دليل على ذلك المشكلات التي واجهتها
الحكومة المدنية الثالثة ومنها مشكلة الجنوب حيث ظلت تلك الحكومة عاجزة عن وضع خطة
للسلام في الجنوب وتنفيذها وذلك بسبب تهافت الاحزاب على الكسب الحزبي الرخيص. بل
كانت عاجزة حتى عن حل مشاكل السودان الاقتصادية والاجتماعية، وقد ادى ذلك الانفلات
في الوضع الاقتصادي والمعيشي الى تدهور سلطة الدولة واحتدام الصراعات القبلية ولا
سيما التي حدثت في اقليم دارفور الواقع غرب السودان كما انها اخفقت في تحقيق اماني
الشعب السوداني الذي كان ينتظر من الحكومة المنتخبة ديمقراطياً تحقيقها خاصة
أمانيه فى الغاء قوانين سبتمير وتصفية اثار مايو .
بالنسبة للجبهة القومية الاسلامية لم
تتخلى عن سياساتها التى بدأتها منذ العهد المايوى فوضعت الكثير من العراقيل امام
اى مشروع يصب فى صالح البلاد ولا يصب فى صالح مصالحهها الخاصة خاصة فى ملف السلام
ومحاولة تمرير القانون الجنائى بشتى الوسائل والسبل وسعت الى ذلك عبر اعلامها
صحيفة ( الوان ) خاصة وكانت مخططات الجبهة الاسلامية تسير الى استيلائها على
السلطلة وذلك ما حدث بانقلابهم المشئوم .
تمكنت الجبهة الاسلامية القومية من دخول الائتلاف والمشاركة فى
الحكم ويبدو ان همّ الجبهة الاكبر هو توظيف مشاركتها فى السلطة لخدمة مواقعها
الاقتصادية والسياسية وهدفها النهائى فى الاستيلاء على السلطة . وانكشف كذب
شعاراتها امام الجمهور وانحسار شعبيتها وتخلخل تماسكها التنظيمى ( استقالة ثلاثة
من تواب الجبهة وانضمامهم للحزب الاتحادى الديمقراطى ) .
اكدت قوى الانتفاضة فى المؤتمر التداولى الذى انعقد فى ابريل 1988
م فى مدنى : ان المحاولات الجارية لاشراك الجبهة تنطوى على خطر حقيقى يهدد مكاسب
جماهير الانتفاضة . واعتبر الحزب الشيوعى ان برنامج الائتلاف يعلى من توجهات
الجبهة الاسلامية اليمينية المتخلفة ويقوى تحالف حزب الامة والجبهة على حساب
الائتلاف السابق .كما اكد حزب البعث العربى الاشتراكى ان الازمة ازمة زعامة
ومصداقية وان ما سمى بحكومة الوفاق لا صلة لها بالوفاق الوطنى . وهى خطوة لاقامة
ديكتاتورية تحت غطاء الشريعة .
ولكن قوى الانتفاضة لم تستسلم وخاصة وسط الاتحاديين وظهر ذلك فى
انتخابات نقابات المحاميين التى اكتسحتها قوى الانتفاضة بينما ظل حزب الامة
وتنظيماته يقف مع تنظيمات الجبهة الاسلامية القومية . وفى يوليو 1988 عقدت قوى
الانتفاضة مؤتمرها الثانى حضرته وفود تمثل اكثر من 42 حزبا واتحادا انظروا كيف
خاطب الصادق المهدى المؤتمرين : " لا يغرنكم جمعكم هذا لأن غيركم يمكن ان
يجمع . والاطراف التى ترمونها بالحجارة قادرة ايضا على رميكم بالحجارة "
معلنا بذلك انحيازه التام للجبهة الاسلامية القومية .
منذ الايام الاولى بدأت الخلافات تظهر فى حكومة الائتلاف وبدأت
صراعاتها مع الحركة النقابية وكانت التحديات الكبرى مواجهة الازمة الاقتصادية
وايقاف الحرب الاهلية وهذا ما سنتطرق له فى المقال القادم .
بعد دخول الجبهة الاسلامية فى الائتلاف واصبحت حكومة الوفاق تطرح
برنامجها بوضوح كامل ووقفت الجبهة متمثلة فى صحقها واعلامها مع الميزانية الجديدة
وتخلت عن شتائمها للسيدين والاحزاب الطائفية ولكن ما الذى تغير احزاب السيدين ام
حزب الجبهة الاسلامية ؟؟؟؟؟ وبدأت الديكتاتورية المغلفة تحت ستار الديمقراطية
وحاولت تقييد العمل الحزبى والنقابى والصحفى . من اولى البيانات التى اصدرها وزير
الثقافة حينها عبد الله محمد احمد مهددا قوى المعارضة بأنه سيلوى يدها مرتين اذا حاولت ان تلوى يده
واتهم احزاب المعارضة انها تحرض النقابات على الاضراب . ولتأكيد تهديداته قام
بحملة تشريد واسعة وسط قيادات التلفزيون ومصلحة الاثار شملت البروفسير نجم الدين
محمد شريف وحول اجهزة الاذاعة والتلفزيون الى اجهزة ناطقة باسم الحكومة حرّمها على
المعارضة كثيرة هى الاحداث حول ما فعله منها على سبيل المثال ايقاف اعلان مسرحية (
بت المنى بت مساعد ) واعلانات صحف المعارضة .
اما دكتور الترابى النائب العام فقد سحب كل قضايا فساد البنوك
الخاصة والاجنبية والمشتركة من المحاكم وكانت حجته اعادة تقييم تقارير لجان
التحقيق فى فساد القطاع المصرفى وشهدت تلك المرحلة اضرابات واسعة من العمال بعضه
نفذ وبعضها اعلن عنه كانت كلها اسبابها موضوعية تمثلت فى الغلاء وارتفاع الاسعار
وتكاليف المعيشة وفى الجانب الاخر كانت سياسات الحكومة الاقتصادية التى اعلنتها
منحازة تماما ضد اصحاب الدخول الثابتة والمحدودة . وبدلا من الجلوس والحوار مع
النقابات من اجل ايجاد الحلول كان وزير المالية يهدد بتغيير القوانين لمنع الاضراب
فى المؤسسات الحساسة . ومن التناقضات كان فى ذات الوقت يدافع عن زيادة مرتبات
ومخصصات الوزراء واعضاء مجلس رأس الدولة قائلا ان مرتباتهم ضعيفة ومسئولياتهم
كبيرة . كانت من البنود التى تحتوى على مشروع ( القانون الجنائى ) الذى حاولت
الجبهة تمريره فى ذاك الحين موادا تمنع الاضراب عن العمل فى المواقع الحساسة .
نواصل
No comments:
Post a Comment