السودان والتنوع الثقافى
بكرى سوركناب
ان السودان بلد مترامى الاطراف كبير المساحة تتنوع فيه الثقافات من
اقصى الشمل الى اقصى الجنوب هذا الامر لا يحتاج الى ادلة وبراهين ولا يختلف فيه
اثنان ويجب ان تتبع بصدده اجراءات عملية تؤكد جدية ايماننا بهذا الاقرار والذى
نراه حتى الان ماهو الامجرد طلاء اضطرت النخب القائدة فى الاحزاب الحالية للاقرار
به كما ظل يلوكه العديد من المثقفين من باب الترف الثقافى بينما الامر السائد فى
الساحة السودانية هوان ثقافاتوفنون واداب الوسط هى التى تتعبر بانها الثقافة
السودانية .
صحيح ان اهل الوسط لم يقصدوا ان يسوقوا هذا الوهم لاهل السودان
اوحتى لذويهم ذلك انه قد فشا كانعكاس لتضافر ظروف موضوعية وذاتية احاطت بطلائع اهل
الوسط فقد كانت طلائع المتعلمين منهم اول من احس بمهانة الاستعمار وهيمنته فبداؤا
في البحث عن هوية يتمترسون بها في مواجهة ثقافة وحضارةالاستعمار الانجليزي فلم
تسعفهم قامة وعيهم الابنبش التاريخ الذي عثروا فيه علي الحضارة العربية الاسلامية
فاعلوها وتخندقوا فيها ثم صارت غناويهم واسعارهم وحكاياتهم هي روح الهوية التي
واجهو بها الاستعمار فصار غناء الحقيبة هو غناء السودان وصارت المدائح النبوية هي
روح ونغمة التدين السوداني .
ان سيادة وشيوع هذا الفهم ان لم نقل الوهم قد اعمي اعين المتعلمين
من الوسط عن النظر حولهم ورؤية هذه البحار المتلاطمة من الثقافات غير العربية الاسلامية
فقد كان الشمال صاحب ثقافة ولغة وتاريخ يضرب في عمق الزمان ويتميز بل ولا علاقة له
بالثقافات والتراث العربي الاسلامي(اتحدث هنا عن الثقافة وليس العقيدة)
وجنوبالشمال من قبائل الشايقية والجعلين لونظروا لما آلت اليه ثقافتهم وفنونهم واغانيهم
بل وحتي لهجتهم العربية ولون سحناتهم وعاداتهم وتقاليدهم لتبينوا انهم قد تشكلوا تشكيلا
مختلفا عن الصورة المجردة التي تخيلها بعض ابنائهم ودمغوهم بها. وفي الشرق كانت
قبائل البجا التي لم تكون الغالبية الساحقة من ابنائها تتحدث اللغة العربية ومن ثم
تجهل تماما ماتعنية الثقافة العربية الاسلامية.وفي الغرب كان الفور الذين لا تشكل العربية
لهجة امهاتهم وفي كردفان اختلطت قبائل البقارة بالعنصر الافريقي لدرجة انهم تخلوا
عن رعي ابلهم الي رعي الابقار التي لايعرفها اجدادهم العرب مثلما تغيرت الوان بشرتهم
وابتدعوا لهجة عربيةيصعب علي اي عربي اخر ان يفهمها .واذا امعن البقارة النظر في الافق
المحيط بهم فسيجدون ان اعرق قبائل السودان هي قبائل النوبة بكل لهجاتها وعاداتها
وتقاليدها وفنونها المتميزة بشكل فريد ولا مثيل له في باقي اصاقع السودان ففي هذه المنطقة يختلط اللون
الافريقي وسري غزيرا دافقا في العروق العربية فانبت عرقا جديدا وتكوينا بشريا
متميزا بل وقبل ذلك تكوينا اجتماعيا وثقافيا ومزاجيا له خصائص فريدة وفنون بديعة
.وفي الجنوب الشرقي كانت قبائل الانقسنا بكل خصائصها الافريقية المحلية قد اسهمت
بور بارز في مجتمع دولة الفونج. اما الجنوب فامره معروف ولايحتاج الي بيان .
كيف عمي مثقفوا الوسط عن رؤية هذا الطيف القوي ولعل الاخطر هو ان
توجهات ابناء الوسط الثقافية وتعمدهم او اغفالهم رؤية هذا المحيط الذي يعيشون فيه
قد كلف السودانيين كثيرا فقد بددت سنوات طويلة لأثبات الواقع و لبرهنة البديهيات و
لرؤية الشمس فى منتصف النهار وأخيراً جاء الأقرار بأن هناك تنوعاً ثقافياً و عرقياً
و لونياً و لغوياً فى السودان .
أن وهم الرؤية الأحادية لثقافة السودان جاء وليد ظروف موضوعية و
ذاتية أبان النضال ضد الأستعمار و لكن المشكلة أن هذا الوهم تملك طلائع الوسط لدرجة
أنهم حسبوه حقيقة أو كانوا يرغبون فى أستمراره لدرجة أنهم لم يروا من كانوا يجلسون
بجوارهم فى مقاعد أول برلمان سودانى وهو برلمان عكس كل هذا الطيف المتنوع و لأنهم
أنتشوا بالسلطة الجديدة و النفوذ و الحكم فالأقرار بالتنوع كان سيشكل تقليصاً لما
و جدوه فى أيديهم من أحتكار للسلطة و الثروة و لم يتكرموا ألا بالقول للجنوبيين
بإنهم سيأخذون بعين الأعتبار الخصائص المتميزة للجنوبيين عند وضع الدستور الدائم للبلاد.
وبطبيعة الحال لم تسمح الطائفية السياسية المتحالفة مع القبلية بان يخرج مثل هذا
القول بالنسبة لبقية اهل السودان الذين كانوا يحملون خصائص متفردة ومختلفة فضاعت
الفرصة الحقيقية التى كان يجب ان يتم عندها الافرار بالتميز واهدرت سنوات غالية ن
عمر السودان وشعبه ومقدراته فافرزت القتال والؤس والشقاء .
واخيرا جاءت الجبهة الاسلامية بزعم ان ثقافة السودان قد تجسدت فى
فهمها للشريعة الاسلامية وضرورة تطبيقها لدرجة انهم وبجراءة متناهية صاغوا هذه
الرؤية فى قانون عقوباتهم لسنة1991م وكثير من القوانين التى استنوها فصار كل سلوك
شب السودان على الاقل من حيث القانون الواجب التطبيق سلوكا محرما وخارجا عن
القانون ويستوجب العقاب فزى المراءة السودانية حرام وفنون كل الناس رجس من عمل الشيطان
وخروج المراءة وحركة اختلاطها بالرجال فسق وفجور وطقوس الاحتفالات السودانية فى الزواج
والختان وايام الحصاد والصيد وكل لحظات الفرح الانسانى مؤبقات يجب اقتلاعها .
اعتقد بان كل الثقافات الغير عربية ليست ضد الثقافة العربية
الاسلامية بل على النقيض فانها تؤمن بان الثقافة العربية الاسلامية العربية تشكل الثقل
المهيب فى ثقافات اهل السودان وان كل اهل السودان من اقصى شماله ( الرطانى) ) الى اقصى جنوبه ( الرطانى ) يتفقون ويوافقون بان اللغة العربية
هى لغة التواصل بين اهل السودان رغم تنوعهم واختلاف لغاتهم وتباين لهجاتهم ولكن الامر
الخطير هوضرورة تحديد المقصود بالثقافة العربية الاسلامية بالنسبة لمن ينحدرون من اصول
عربية هل هى الثقافة الموجودة فى بطون كتب ادباء وفقهاء السلف
الصالح من اهل العروبة ام انها الثقافة العربية الاسلامية السوداينة التى نبتت فى ارض
الواقع السودانى ؟؟؟ !!!! .
ان مايجب الاقرار به هو الثقافة العربية الاسلامية السودانية التى
اختلطت فى تربة المليون ميل مربع وتم استيعابها واعيد اخراجها بعد اجترار دام مئات
السنين فاخرجت ثقافة فريدة فى تعبيرها وخطابها وفى فنونها وادابها وفى معييرها
الخلقية والسلوكية وليست ثقافة اهل الكهف التى جاءت بها الجبهة الاسلامية .
أن الأقرار بهذه الثقافة لايغنى ولا يشكل بديلاً على الأطلاق عن
الأقرار بإن من لديهم ثقافات خاصة يكون من حقهم أن تشكل ثقافاتهم مكوناً أصيلاً و شرعياً
فى ثقافة أهل السودان وخاصة و أن ثقافتهم تشكل بذات القدر ثقلاً مهيباً فى ثقافة السودانيين
و يجب أن يشعروا أن من حقهم أن يروا ويسمعوا صوت و صورة ثقافاتهم فى شكل تعبيرى عن
الثقافة وهو الأمر الذى أفتقده أهل هذه الثقافات عبر حوالى نصف قرن من سيادة ثقافة
أهل الوسط على كل أجهزة الأعلام ووسائل و أليات و أدوات التعبير عن الثقافة اللهم
الا فى فترات قليلة و حيز ضيق أبان حكم نميرى .
ن ما أقوله هو مواجع قومية لكل السودانيين و يجب أن يلتفتوا لهذا
الأمر بجدية و قبل أن يستفحل الأمر و قبل أن ( يقع الفاس فى الراس) فهل يعنى سياسيونا هذا الأمر أم أن الأمر كله مجرد لعبة كراسى فالجبهة الأسلامية بتعصبها و تطرفها و سياساتها
القهرية و تهميشها لكل ماهو غير عربى و أسلامى فتحت أبواب عريضة و قد آن الأوان
لأن ينشغل السودانيون بالأهتمام بكل مكونات هويتهم المتمثلة فى تراث و ثقافات كل
أهل السودان و أن يترجموا هذا الأهتمام فى خطط وممارسات عملية و تنفيذية حتى يشعر
كل مواطن سودانى أنه فى بلده و أرضه و أن وجدانه هنا و أن قلبه على هذا البلد .
No comments:
Post a Comment