Friday, 22 November 2013

ظاهرة الحروب الاهلية فى افريقيا اسبابها وعواملها ( 2)

ظاهرة الحروب الاهلية فى افريقيا اسبابها وعواملها ( 2)
بكرى سوركناب
هناك بعض العوامل الاخرى حول نشوب الحروب الاهلية فى افريقيا اذكر منها الاتى
أ- عوامل تاريخية: مرتبطة بنمط العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بين الهوتو والتوتسي قبل وخلال الاستعمار؛ إذ تميزت هذه العلاقة قبل الاستعمار بعدم المساواة؛ فسياسياً سيطر التوتسي على هرم السلطة التقليدي، كما سيطروا على مصادر الثروة التقليدية، وتمكنوا من إخضاع الهوتو - اقتصادياً واجتماعياً من خلال ما يعرف بعلاقة «التابع والمتبوع».
ب - عوامل ثقافية: تمثلت في تراكم تراث كبير من الأساطير والمرويات الشعبية، تكرس فكرة الأصل المقدس للتوتسي وحقهم الطبيعي في الحكم والقيادة، وقد واصل الاستعمار تغذية هذا الميراث كما سيتضح ذلك في جزء تال من هذه الورقة.
ج - عوامل سياسية: تتعلق بطبيعة واتجاهات النخب السياسة الإثنية ومدى استعدادها وقدرتها على توظيف الانقسامات الإثنية لتحقيق أغراضها السياسية.
وقد شهدت القارة الإفريقية تسييساً للظاهرة الإثنية، من حيث تشكيل الأحزاب السياسية على أسس إثنية وما يترتب على هذا الأمر من تمثيل المصالح والتعبير عنها، بل وتوزيع الثروة والسلطة وفقاً لهذه الأسس
كما ساهمت عوامل خارجية اخرى فى نشوب الصراعات الاهلية فى افريقيا بيد أن أقدم العوامل الخارجية تمثل في الاستعمار الأوروبي الذي وضع بذور الحرب الأهلية في إفريقيا سواء من خلال النشأة المصطنعة للدول الإفريقية أو من خلال السياسات الاستعمارية المتبعة في المستعمرات الإفريقية السابقة.
أما فيما يتعلق بالنشأة المصطنعة للدول الإفريقية، فتجدر الإشارة إلى أن التقسيم الاستعماري للقارة الذي جرى في مؤتمر برلين 1884 ـ 1885م جاء متسقاً فقط مع مصالح المستعمرين واتجاهاتهم للتوسع، بينما جاء هذا التقسيم متناقضاً مع الواقع الاجتماعي والإثني للمجتمعات الإفريقية. وقد أفرز هذا التقسيم الصناعي وضعين شكَّلا فيما بعد الأساس للبعد الإثني في الحروب الأهلية الإفريقية. فمن ناحية جمعت الخريطة الاستعمارية داخل الدولة الواحدة جماعات لم يسبق لها العيش معاً، ولم يسبق لها التفاعل مع بعضها البعض في إطار واحد مثلما هو الحال في أنجولا على سبيل المثال. ومن ناحية أخرى فصلت الحدود السياسية المصطنعة «عرى» التواصل بين جماعات عرقية واحدة وجدت نفسها فجأة تابعة لكيانات سياسية مختلفة، وهو وضع شائع الحدوث في العديد من أنحاء القارة الإفريقية(19).
وتجدر الإشارة إلى أن التقسيم التعسفي للقارة لم يكن هو الأثر الوحيد للاستعمار الأوروبى؛ إذ لعبت السياسات الاستعمارية التي اتبعتها القوى الاستعمارية الأوروبية دوراً في تعميق تناقضات المجتمعات الإفريقية ولا سيما التناقضات الإثنية.
فمن ناحية ساعدت السياسة الاستعمارية على تغذية التناقضات الإثنية من خلال سياسة «فرِّقْ تسدْ»، أو من خلال تفضيل جماعات إثنية معينة على غيرها، وإعطائها نصيباً أكبر في الحكم والسلطة؛ ففي أوغندا - على سبيل المثال ـ فضلت الإدارة الاستعمارية قبيلة البوجندا على باقي الجماعات الإثنية الأخرى، وجرى إطلاق اسمهم على الدولة الأوغندية ككل، وحصلوا على حكم ذاتي موسع، وحصلوا على فرص تعليمية أكبر بكثير مما كان متاحاً لباقي الجماعات، وتمتعوا بنفوذ كبير في المجالس التشريعية التي أقامها الاستعمار. ولعل هذا الوضع المميز لجماعة البوجندا أسفر عن صعوبات جمة في مرحلة ما بعد الاستقلال؛ إذ طالبت البوجندا بإقامة دولة منفصلة يتمتعون فيها بالنفوذ خوفاً من أن يؤدي الاستقلال إلى فقدانهم للامتيازات التي حصلوا عليها إبان الاستعمار
 وفي السودان لعب الاستعمار دوراً مختلفاً، وإن كان قد أسفر عن نفس النتيجة؛ حيث قسمت الإدارة الاستعمارية السودان خلال فترة احتلالها له إلى جزأين، واتبعت في كل منهما سياسة استعمارية مختلفة. ففي الشمال كانت السياسة البريطانية تسمح بتطوير هوية قومية تتركز على الأنصار والختمية، وفي الجنوب اتبعت بريطانيا سياسة اللورد لوجارد الخاصة بالحكم غير المباشر، وقامت السلطات البريطانية بحظر اللغة العربية في الجنوب، وحالت دون نفاذ التأثيرات العربية الإسلامية، بل وسمحت للبعثات التبشيرية التي يتم طردها من الشمال بالعمل في الجنوب، وأصدرت السلطات الاستعمارية البريطانية قوانين مثل قانون المناطق المغلقة وقانون المرور. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الازدواجية في التعامل مع شمال وجنوب السودان أثر على الصراع بين الشمال والجنوب، وأضفى عليه أبعاداً جديدة
ومع حصول الدول الإفريقية على استقلالها لم ينته الدور الخارجي، وإنما تحول ليأخذ أشكالاً وصوراً جديدة، ففي أثناء الحرب الباردة كانت القارة الإفريقية ساحة للمواجهة بين القوتين العظميين، ومن ثم فقد كان التدخل الخارجي والحروب الأهلية أحد أدوات القوى الكبرى في إدارة علاقاتها الدولية. ومن ثم فقد كان ينظر إلى هذه الحروب باعتبارها أحد أدوات هذه القوى في تحقيق أهدافها.
فبالنسبة للاتحاد السوفييتي، فقد اتخذ إفريقيا ميداناً لمواجهته مع القوى الدولية في القارة الإفريقية وتحديداً الولايات المتحدة الأمريكية. وفي المقابل كانت الولايات المتحدة الأمريكية تسعى إلى وقف المد الشيوعي في إفريقيا

تداعيات الحرب الاهلية فى افريقيا
وتنبع أهمية تناول تداعيات الحروب الأهلية في إفريقيا من حقيقة هامة مؤداها أن هذه التداعيات قد تكون في حد ذاتها سبباً وعاملاً من عوامل تجدد الصراع مرة أخرى. وتتعدد تداعيات وآثار الصراعات الأهلية في إفريقيا، ومن أبرز هذه الآثار: تفاقم مشكلة اللاجئين، ظاهرة تجنيد الأطفال في الصراعات المسلحة، ومشكلة انهيار الدولة، انتهاكات حقوق الإنسان، انتقال الحروب الأهلية للدول المجاورة فيما يعرف بأثر العدوى، وفيما يلي سوف نتناول الآثار الثلاثة الأولى:
أولاً: مشكلة اللاجئين:
تعتبر مشكلة اللاجئين واحدة من أبرز الآثار التي أفرزتها الحروب والصراعات الأهلية في القارة الإفريقية. وتضم القارة الإفريقية حوالي نصف اللاجئين في العالم، لتصبح بذلك أكبر قارات العالم من حيث عدد اللاجئين.
وتسبب ظاهرة اللاجئين مشكلات سواء لدولة المنشأ أو دولة اللجوء. فبالنسبة للأولى: تفقد هذه الدول مواردها البشرية بسبب نزيف العقول الذي تتعرض له، وهروب المتعلمين والمثقفين إلى الخارج للنجاة بأنفسهم والبحث عن مصادر جديدة للرزق بعيدة عن مواطنهم التي دمرتها الحروب الأهلية. أما بالنسبة للثانية (دولة اللجوء) فتواجه هي الأخرى سلسلة من المشكلات تتمثل فيما يحدثه اللاجئون من تغيرات في الخريطة البشرية وتحديداً الإثنية، فضلاً عما يمثله هؤلاء اللاجئون من أعباء اقتصادية واجتماعية
ثانياً: ظاهرة تجنيد الأطفال في الصراعات المسلحة:
ويعتبر الأطفال من أكثر الفئات تعرضاً لمخاطر وآثار الحروب الأهلية؛ فهم إما يتعرضون للقتل أو الإعاقة أو التشريد عن منازلهم أو الانفصال عن ذويهم.
بيد أن الآثار الواقعة على الأطفال في الحروب تفاقمت باستخدام الأطفال كأداة في الحرب. وفي عام 1988م قدر عدد الأطفال المحاربين في الحروب الأهلية بنحو 200.000 طفل، ارتفعوا إلى 300.000 طفل عام 1995م؛ حيث تستخدمهم الجيوش النظامية للقيام بكافة أنواع الأعمال كطهاه، أو محاربين أو جواسيس أو كأدوات للكشف عن الألغام..... إلخ(31).
وقد ساعد توفر الأسلحة الخفيفة إلى تكوين جيوش من الأطفال دون العاشرة يجيدون كافة فنون القتال والتعذيب. ففي سيراليون يطلق على الحرب الدائرة هناك «حرب الأطفال» إذ إن معظم المحاربين من الجانبين من الأطفال. وفي رواندا رصدت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف عام 1995م) حالات لأكثر من 3000 طفل تعرضوا لمستويات عالية جداً من الإصابات خلال عمليات التطهير العرقي عام 1994م. كما قدرت منظمة العفو الدولية عدد الأطفال الذين يقومون بإعالة أسرهم بنحو 60.000 طفل، ثلاثة أرباعهم من الفتيات
ثالثاً: مشكلة انهيار الدولة:
تعد مشكلة انهيار الدولة من أولى النتائج والآثار المترتبة على الحروب الأهلية، ويقصد بانهيار الدولة تقويض مؤسسات الدولة وأجهزتها بما لا يسمح لها بأداء وظائفها المختلفة. ويتخذ انهيار الدولة كنتيجة للحروب الأهلية نمطين أساسيين:
النمط الأول: هو الانهيار الشامل للدولة، ويقصد به انهيار السلطة المركزية للدولة، ويحدث عندما تؤدي الإطاحة بالنظام إلى حدوث حالة من الفوضى الشاملة، بما لا يسمح لأي من الجماعات المتصارعة بالسيطرة على الحكم بصورة كاملة.
أما النمط الثاني: فهو الانهيار الجزئي ويقصد به ضعف سلطة الحكومة وترهل جهازها البيروقراطي الذي ينجم عنه عجز الدولة عن فرض سيطرتها على جميع أقاليم الدولة، ويتسم هذا النمط بأنه مؤقت، ويقتصر على فترة محددة من الحرب الأهلية.
ويعود انهيار الدولة الإفريقية إلى أسباب مرتبطة بالضعف الهيكلي للدولة الإفريقية التي تعاني من العديد من الاختلالات والمشكلات، ولأسباب مرتبطة بطبيعة الدولة الإفريقية التي توصف بأنها دولة رخوة، وأنها دولة وقف، ودولة نخبة. بيد أن انهيار الدول الإفريقية يظل أيضاّ وثيق الصلة بالعوامل الخارجية؛ ففي فترة الحرب الباردة كان للمساعدات التي تقدمها القوى الكبرى للدول الإفريقية أكبر الأثر في صمود هذه الدول في وجه التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية التي تواجهها، ومع انتهاء الحرب الباردة ـ وما صاحبها من متغيرات على الساحة الدولية قادت إلى انخفاض الأهمية النسبية للدول الإفريقية - توقفت هذه المساعدات لتجد الدول الإفريقية نفسها مضطرة لمواجهة هذه التحديات بمفردها، ومن ثم فإن عدداً قليلاً جداً من الدول الإفريقية هي التي نجحت في الحفاظ على الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني

المراجع
(1)   أحمد إبراهيم محمود، الحروب الأهلية في إفريقيا، (القاهرة: مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، 2001م)، ص 25، وقد قدمت الدراسة العديد من التعريفات لظاهرة الحروب الأهلية كما وردت في الأدبيات السياسية
(2)   مقال للاستاذة / رانيا حسين عبد الرحمن معيدة بمعهد البحوث والدراسات الإفريقية، جامعة القاهرة
(3)      وغيرها من المصادر الاخرى ومنظمات حقوق الانسان

No comments:

Post a Comment