إلى متى؟؟
بكرى سوركناب
إستفزنى ودعانى الى الكتابة ذلك الكتاب " الديمقراطية في السودان عائدة وراجحة " لمؤلفه الصادق المهدى وقد كان يتحدث تجربة الديمقراطية وذكر في توطئة الكتاب ص1 ( ولكن الشعب السودانى كان في كل مرة يحسم هذا الجدل واللغط بالوقوف مع خيار الديمقراطية . حدث ذلك في عام 1964 عندما خرج السودانيون في اروع استفتاء شعبى على الخيار الديمقراطى متحدين حكم عبود العسكرى ؟! ومفجرين ثورة اكتوبر العظيمة .
ثم تكرر الامر ثانية في انتفاضة رجب التى اطاحت بحكم نميرى واعادت الديمقراطية للبلاد " نسى أو تناسى عمداً الصادق المهدى من الذى قام بتلك الثورات وما هو دورهم فيها أو يذكر الاحداث وتفاصيل ثورة اكتوبر المجيدة أن كل الثورات والانتفاضات التى جرت احداثها في السودان قامت بها طبقة معينة من الشعب لم تسنح لها فرصة حقيقية لحكم السودان طبقة مكونة من " مثقفين – عمال – مهنيين – طلاب … الخ " اذا صح التعبير فندعوهم قوى السودان الجديد " بالرغم من آن هذه القوى موجودة في السودان قبل الاستقلال ولكن " القوى التقليدية " وخوفاً على مصالحها الحزبية الضيقة سعت لمعاداتها بشتى الوسائل والسبل.
إن عودة الصادق المهدى الاخيرة خير دليل على ذلك وكان قد فعلها في السابق في منتصف السبعينات نعم عاد الصادق الى الخرطوم ليس لأن حكومة الجبهة بدأت تعود لعين العقل وتعيد قليل من الحريات المصادرة بل خوفاً على نفسه وعلى حزبه من الخطر القادم " قوى السودان الجديد " خوفاً على مقعده المفضل " رئيس الوزراء " رجع لأقتسام " كعكة السلطة "مع البشير والترابى بعد آن مهد لذلك عبر اتفاقيتى "جيبوتى ولندن" .
واعود الى بداية حديثى الى الديمقراطية المزعومة والتى يعتقد الصادق المهدى بأنها قد طبقت في السودان في الفترات الثلاث الفائتة وأقول ردا على حديثه إن الديمقراطية التى طبقت في السابق هى شكلية فقط ومتعلقة بدستور وتعدد حزبى وبرلمان ولم يكن للشعب اى دور فيها أو ممارسة حقة الدستورى في الحكم ديمقراطية سعت فيها " القوى التقليدية " لاقصاء الطرف الاخر " قوى السودان الجديد " عبر كل الوسائل مستغلة ثقلها الدينى والذج به في اروقة السياسة وإذا عادت بنا الذاكرة للوراء قليلاً لنعرف الاسباب التى ادت الى تسليم السلطة لعبود لراينا كيف كانت تمارس الديمقراطية في احدى الحقب الثلاثة والتى والتى يفاخر بها الصادق المهدى وقد إستعنت بأحدى الكتب القيمة وهو كتاب "حتى متى " لمؤلفه خليفة خوجلى خليفة والذى استعان بكتاب " السودان المأزق " التاريخ وأفاق المستقبل لمؤلفة محمد ابو القاسم وكتب اخرى .ولكن بداية لندرى ماذا قال الصادق المهدى في كتابه ففى ص 45 وتحت عنوان التجربة السودانية " في عام 1958 نشأ نزاع داخل حزب الأمة صاحب الاكثرية النيابية وكان رئيس الوزراء هو أمين عام حزب الامه السيد " عبد الله خليل " وكان يرى أن إستقرار السودان يتم اذا تحالف حزب الامة مع حزب الشعب الديمقراطى وكان رئيس حزب الامة السيد " الصديق المهدى " يرى آن التحالف الاكثر تجانسا هو بين حزب الامة والحزب الوطنى الاتحادى برئاسة السيد " اسماعيل الازهرى " ووقعت بين زعيمى الحزب إختلافات اخرى كان من الممكن أن ينقلب إتجاه التحالف مع الحزب الوطنى الاتحادى بأنحياز أغلبية نواب حزب الامة لهذا الاتجاه – بيد أن رئيس الوزراء لم يكن يثق في السيد إسماعيل الازهرى ويعتقد أنه يناور مناورات مع جهات اجنبية ربما عرض استقلال السودان للخطر وبالفعل اعدت سفارة السودان بمصر تقرير ينذر بمثل هذا الاتجاه وبعد أن درس حزب الامة التقرير اقترح البعض إنه في هذه الحالة تسلم السلطة الى القوات المسلحة بيد أن هذا الرأى وجد الرفض بعد دراسته ولكن رئيس الوزراء كان يرى اتجاهات النواب لن تسند موقفه وانه يحظى بسند اكبر داخل القوات المسلحة وانها مأمونة على القيام بمهمة تأمينيه مؤقته تصرف شبح الائتلاف بين حزب الامة والوطنى الاتحادى وتزيل المخاطر المتأتية من مناورات السيد اسماعيل الازهرى لذلك اجتمع رئيس الوزراء وقتها بالقائد العام وهيئة اركانه وافضى لهم بهمومه وإتفق معهم على التسليم والتسلم فكان سيرة الاحداث المعروفة بعد ذلك – وعندما استولت قيادة القوات المسلحة على السلطة وحصلت على مباركة السيدين ورأت ان لا يكون ذلك على حساب حزب او شخص بل تم تخريج الاستيلاء بناء على زرائع قومية واقتضاء المصلحة العامة " كان السيد الصديق عبد الرحمن المهدى خارج البلاد يوم 17/11/1958 ولم يكن موافقاً على اجراء مباركه السيدين للأنقلاب بل عده موجهاً ضده ولم يكن موافقاً على البيان الذى اصدره والده السيد الأمام عبد الرحمن تأييد للأنقلاب – انتهى حديث الصادق المهدى بالطبع لم يحالف الصادق المهدى التوفيق في ذكر هذه الاحداث تفصيلاً بل مر عليها مرور الكرام ومن خلال حديثه القى بالمسؤلية كاملة على السيد عبد الله خليل وكانه يتصرف في الحزب لوحده وانه اجتمع لوحده مع القائد العام وهيئة أركانه واتفق معهم على التسليم والتسلم ولم يتعرض " لمشكلة حلايب " وعدم شرعية اتحاد عام نقابات العمال والمعونة الامريكية ولم يقم بذكر أسم سفير السودان وقتها بالقاهرة بل لم يذكر ما حدث في جامعة الخرطوم والقاهرة الفرع والمعهد الفنى والاجتماع الشهير للنواب في ميدان عبد المنعم من أجل اسقاط حكومة عبد الله خليل – لم يذكر هذه الحقائق عنوة وبقصد منه وكان الاجدى منه آن يقوم بذكرها إحقاقاً للحق وعدم طمس التاريخ والحقائق لأن العيب ليس في أن تخطئولكن العيب أن لا تستفيد من أخطائنا .
وصف السيد محمد أحمد محجوب في كتابه الديمقراطية في الميزان تحالف الميرغنى والمهدى بأنه " أعظم كارثة مني بها تاريخ السياسة السودانية ففى هذا التحالف سعى عدوان لدودان مدى الحياة وبدافع الجشع والتهافت على السلطة والغرور والمصالح الشخصية الى السيطرة على الميزان السياسى " بالنسبة للزعيم الازهرى لا احد ينكر دوره النضالى من اجل الاستقلال ولكن أعيب عليه عدم ادراكه لدوره كزعيم لحركة المثقفين من جيل الاستقلال هو والحزب الوطنى الاتحادى ولكن لم يجهدا أنفسهما كثيراً في البحث عن حلفاء بعد الاستقلال بين جماهير الشعب بعد آن وجدا حليفاً جاهزاً في الطائفية – بالطبع بعد الاستقلال كان الوطنى الاتحادى على قمة السلطة بأغلبية برلمانية "51" مقعداً وبالطبع لم يسرهذا السيدين الجليلين لأن المثقفون الذين ينتمون إليه سيكونون مصدر خطر حقيقى أنظر ما جاء في كتاب حتى متى ص 92-93 ، وفعلاً اجتمع السيدان على الميرغنى وعبد الرحمن المهدى في 4/12/1955 وقررا اسقاط حكومة الوطنى الاتحادى وإستبدالها بحكومة أئتلافية في 2/2/1956 كمرحلة انتقالية أستعداداً لأقصاء المثقفين نهائياً عن السلطة في 5/7/1956م وأقامة سلطتهما الثنائية لحكم السودان ممثلة في إئتلاف حزب الامة وحزب الشعب الديمقراطى حين أصبح عبد الله خليل رئيساً للوزراء ووزيراً للدفاع وقال قولته الشهيرة بأنه لن يسلم السلطة بعد ذلك إلا إلى نبى الله عيسى " . " وكان السيدان على الميرغنى وعبد الرحمن المهدى يدركان أن معركتهما لم تكن ضد أزهرى ولا ضد الوطنى الاتحادى أنما هى معركة ضد المثقفين ضد القوى الحديثة ضد قوى التجديد لآنهما جزء من الماضى المتخلف وبقية من بقايا المجتمع البائد الذى سوف تكتسحه قوى الحداثة والتجديد متى اتيحت لها الفرصة لذلك ولهذا فأن تشبثهما بالسلطة والحكم هو تشبث بالحياة هوصراع البقاء ضد الفناء الابدى لا ادرى ما هو السر في محاربة حزب الامة لكل المحاولات التى جرت من أجل الاتحاد مع مصر وقد ظهر ذلك قبل الاستقلال في الشعار الذى رفعه ونادى به حزب الامة بقيادة زعيمه " عبد الرحمن المهدى " وهو شعار " السودان للسودانيين " رغم أنه قرأنا في التاريخ بأن الامام المهدى حاول عند فتح الخرطوم أن يفدى عرابى بغردون والشواهد على ذلك كثيرة حتى أن تأسيس الحزب جاء بعد تأسيس أحزاب كانت تدعوا للوحدة مع مصر " الاشقاء 1943 – الاتحاديون - الاحرار والقوميون 1944 – حزب وادى النيل 1946" وبالطبع كان برعاية الحكومة والادارة البريطانية – تنوعت اشكال المحاربة واتخذت اشكالاً كثيرة كان حزب الامة يتحين الفرص لفرض هذه السياسات ضد الوحدة وهذا ما حدث أو ما ادى لحدوث "مشكله حلايب " ولنبدأ بسلسلة الاحداث وكيف بدأت المشكلة فقد بدأت بعد أن اشتعلت معركة العدوان الثلاثى على مصر وهب الشعب المصرى والعربى يهتف ضد الاسنعمار يدين العدوان الغاشم وجاء في الكتاب حتى متى ص102 " وكعادته دائما لم يتخلف الشعب السودانى عن المعركة فأجتاحت المظاهرات جميع مدن السودان واضرب موظفوا وعمال الخرطوم واوقفوا الخدمات عن الطائرات البريطانية والفرنسية وطالب الشعب بأرسال الجيش السودانى الى بورسعيد ليقف جانباً الى جنب مع شقيقه الجيش والشعب المصرى وطالب الشعب بالسلاح وبقطع العلاقات الدبلوماسية مع بريطانيا وفرمسا وما كان لجماهير حزب الشعب الديمقراطي ونوابه أن يتخلفوا عن المسيرة الثائرة " . وفزع الحلف الاعظم وفزع عبد الله خليل فهرع الى إعلان قانون الطوارئ عله يحميه من ثورة الجماهير وليجامل عبد الله خليل حلفاءه الختمية في السلطة اعلن " أن أى اعتداء على مصر هو اعتداء على السودان وأن مشكلة قناة السويس تهم السودان كما تهم مصر " وتعللت الحكومة بضعف تسليح الجيش بسبب عدم استجابتها لمطالب الجماهير بارساله إلى بورسعيد ورفضت قطع العلاقات مع بريطانيا وفرنسا " أنتهى حكم ديمقراطى يقف ضد أمال وتطلعات الشعب ويتعذر لها بأعذار واهية عن عدم إرسالها لبورسعيد ولكن تصاعد الأحداث يؤكد بأن الديمقراطية في بلادنا شكلية حبراً على ورق فالقضية أكبر من نظرتهم الضيقة وكانوا يسبحون عكس التيار في اتجاه الاستعمار والطائفية وأحكام تحالف السودان مع قوى التخلف والتبعية في العالم العربى والعالم عامة وفى تلك الظروف التى عاشها السودان في تلك الاوقات والمد الثورى الجديد الذى إجتاح كل أرجاء السودان والتى قامت بها الحركة الوطنية الديمقراطية " قوى السودان الجديد " داخل البرلمان وخارجه كان من الممكن أن يتحد في ذلك الوقت حزبى " الوطنى والاتحادى والشعب الديمقراطى " لتقارب افكارهما ومواقفهما المؤيدة للثورة العربية والمد الثورى العربى ولكن اصرار قادة الحزبيين حال دون ذلك ولكن حتى لا تستفحل الامور وتزداد امواج المد الثورى قررت الحكومة المتحالفة " الامة والاتحادى " حل البرلمان ولننظر ما جاء في الكتاب ص4-1 "" وخوفاً من آن تتعرض حكومتهما إلى الهجوم من جانب المعارضة ولتفادى تعريض برلمانهما الى ضغط جماهيرى قرر السيدان حل البرلمان فأعلن عبد الله خليل حل البرلمان في 30/6/1957 مع استمرار تحالف الحزبين على مستوى الحكومة أو الوزارة ومما يؤكد أن حل البرلمان قد تم بموافقة الزعيمين الجليلين استمراراً لتحالف على مستوى الوزارة "وليت الامر وقف عند ذلك الحد بل تعداه الى ابعد من ذلك مع أجل إيقاف هذا المد من أجل عزل السودان عن مصر والثورة العربية حينما أعلن عبد الله خليل أن السودان يتعرض لغزو مصرى في منطقة حلايب وذلك في بداية فبراير 1958 وتم رفع الأمر لمجلس الأمن دون توضيحه للجامعة العربية لكن جمال عبد الناصر بحنكته وفى هدوء إستطاع حل هذه المشكلة وإختلاق هذه المشاكل كان من أجل أسباب حزبية ضيقة منها خوفه من تدخل مصر في الانتخابات القادمة لمصلحة الحزب الوطنى الاتحادى وحزب الشعب الديمقراطى .هذه السياسات التى أنتهجها "حزب الامة " والتى لم تتوقف حتى الان هى التى ادت الى ما وصلنا أليه الأن من " تخلف سياسى " عن بقية نظرائنا ومنها ما حدث في إنتخابات فبراير 1958 عندما منح حزب الامة الجنسية السودانية لسكان أحياء فلاته في مناطق النيل الابيض والجزيرة مقابل تصويتهم الى جانبه ولزيادة سنده الانتخابى وبمثل هذه الممارسات إستطاع حزب الأمة الفوز بهابـ "63 مقعد برلمانى " وتم انتخاب عبد الله خليل رئيساً للوزراء في 20/3/1958 بأغلبية 103 صوتاً وشرع في تنفيذ سياسته دون إكتراث بالمعارضة داخل البرلمان وخارجه ومنها "الموافقه على المعونة الامريكية " التى مهدت لأستلام عبود السلطه فقد تصاعدت الاحداث التى تمثل في رفض هذه المعونة وإدانة سياسة حزب الأمة الموالين للأستعمار وتحركت قوى حزب الشعب الديمقراطى " رافضة المعونة الامريكية ومطالبة بفض الاتلاف مع حزب الامة ولكن ماذا فعل قائدها " الجناح الطائفى الاخر " أنظر ما جاء في كتاب حتى متى ص 110 " وما كان بعد أن بلغت الامور هذا الحد أمام السيد " على الميرغنى " أن يحتمى بصمته المطبق أكثر مما فعل ولم يعد أمامه ألا أن يخلع عن وجهه قناع المراوغة فخرج عن عزلته وحاول على المكشوف وبالواضح الفاضح أن يقنع نواب حزبه بقبول إتفاقية المعونة الامريكية محاولاً بمكره ودهائه أن يتقدم بتعديلات على بعض بنودها هذه الاحداث جرت في أول عهد ديمقراطى بعد الاستقلال وتدل هذه الممارسات إلى ضعف الوعى السياسى عند قادتنا الذى ينادون الأن بعودة الديمقراطية "الديمقراطية " التى تنبنى على الولاء الحزبى الضيق وتغلب فيه المصالح الشخصيه على مصالح الشعب ومحاربة كل من يسعى في سبيل تقدم الوطن ورفاهيته لأنهم يمثلون مصدر الخطر الوحيد لهم بان ذلك في التصويت لهذه الاتفاقية وذلك بتسلم نواب حزب الشعب الديمقراطى كما جاء في الكتاب رسائل التهديد بالقتل عن طريق البريد ويوجد الكثيرين أحياء ومعاصرين لتلك الاحداث يأتى دورهم في ذكر هذه الاحداث وأجلاء الحقاءق للشعب حتى يعلم كيف كان يفكر قادتنا في السابق وحتى الان وبالطبع وبالتصويت تم قبول هذه الاتفاقية والشروع في تنفيذ بقية السياسات التى وضعها عبد الله خليل ولم يقف الامر عند هذا الحد وتعداه الى محاربة قوى السودان الجديد وتأديب الحركة الوطنيه الصادقة لأدارة البلاد وفق أهوائهم ومصالحهم وسياستهم الخاطئة وتصورهم بأن السودان " إقطاعية " وأنهم ملوك وأسياد ، وعلى الجميع الانصياع لقوانينهم والتى لم توضع إلا على رقاب المواطنين فبعد الموافقة على المعونة الامريكية أعلن عبد الله خليل عدم شرعية " أتحاد نقابات عمال السودان " وذلك لضرب الحركة الوطنية وتأمل ما جاء في كتاب حتى متى ص 111 " وظن الحلف الاكبر بأن الامر قد إستتب له في السودان بعد أن نفذ أو كاد أن ينفذ " عبد الله خليل " كل الاولويات التى تضمنها مشروع سياساته فأتجه الحلف الى تأديب الحركة الوطنية الديمقراطية ورأى أن يبدأ بأقوى الفئات الوطنية الديمقراطية تنظيماً فأعلن عبد الله خليل عدم شرعية أتحاد نقابات عمال السودان وأعلن العمال احتجاجهم على هذا الزعم وتقدموا بمذكرات الاحتجاج الى الحوكمة وسيروا المواكب ضد ما اعتبرته الحركة الوطنية الديمقراطية بداية لمصادرة الحريات – " ولكن هذا الامر ارتد عليه وجعل كل الفئات الوطنية تلتف وتلتحم من جديد لآتخاذه هذا القرار فقد تظاهر الطلاب فى جامعة الخرطوم وجامعة القاهرة الفرع وطلاب المعهد الفنى وأعلن العمال الاضراب فى كل أرجاء السودان ولم تستطع الحكومة السيطرة على الشارع السودانى- وأود أن كل من لديه معلومات عن هذه الاحداث وعاصرها أن يقوم بسردها وخاصة أحداث القرارات الشهيرة التى أصدرها اتحاد جامعة الخرطوم - كل هذه الاحداث ووقوف الطلبة والشعب مع العمال أدت بأسراع تسليم عبد الله خليل السلطة لأبراهيم عبود ولنجول مرة أخرى فى كتاب حتى متى ص 113 “ وحاول عبد الله خليل أن ينقذ أسياده بأقامة حكومة إئتلافية جديدة تضم كل الاحزاب الممثلة فى البرلمان ولكن محاولته ما لبثت أن جرفها المد الثورى الوطنى فأعلن الاحكام العرفية فى البلاد كما أعلن تأجيل موعد انعقاد البرلمان الى 17/11/1958 م ثم اجله مرة اخرى الى 4/12/1958 وعلى اثر هذا التعديل الثانى اجتمع نواب الوطنى الاتحادى ونواب الشعب الديمقراطى وانضم اليهم فيما بعد بعض النواب الجنوبيين مكونين بذلك كتلة برلمانية وطنية بلغ مجموعها "107" عضواً وقرروا ان يعقدوا اجتماعهم فى يوم 17/11/1958 فى ميدان عبد المنعم فى الخرطوم ومن هناك يتخذوا قرارهم بأسقاط حكومة عبد الله خليل ، واعود واذكر بداية حديث الصادق المهدى بأن عبد الله خليل كان يعتقد أن الازهرى كان يناور مناورة مع جهات أجنبية ربما عرضت استقلال البلاد للخطر بالطبع لم يذكر اسم هذه الدولة الاجنبية صراحة وهى " مصر " وذلك للعداء التاريخى الذى ينصبه حزب الامة لمصر واستغلال كل الظروف لزيادة الشقاق بين مصر والسودان واود أن اذكر أن سفير السودان فى تلك الايام هو السيد " يوسف مصطفى التنى " وهو من الاعضاء المؤسسين لحزب الامة واول رئيس تحرير لصحيفة الحزب وصادف فى ذلك الوقت ان كان فى القاهرة كل من السيد الزعيم الازهرى والسيد على عبد الرحمن وكانت فحوى التقرير الذى وصل الى عبد الله خليل من السفير أنه تم الاتفاق وبحضور الرئيس جمال عبد الناصر بين قادة الحزب الوطنى الاتحادى وقادة حزب الشعب الديمقراطى للأطاحة بالحكومة الأئتلافية واعلان وحدة السودان ومصر وامتدت المسرحية باجتماع السفير الامريكى بعبد الله خليل يحمل له نفس مضامين التقرير وذكر ايضا الصادق المهدى ان بعض اعضاء حزب الامة اقترحوا تسليم السلطة للجيش وقد وجد هذا الاقتراح الرفض بعد دراسته ولكن السيد عبد الله خليل كان يرى غير ذلك وقرر تسليم السلطة للجيش .
واذكر ايضأ بان حزب الامة لم يسعى للتحالف مع احد الحزبين بل كان يهاب ان يحدث هذا التحالف بينهما ومما يوكد ذلك فحوى التقرير الذى ارسله سفير حزب الامة بالقاهرة وان قرار تسليم السلطة للجيش (قرار حزبى طائفى) وذلك للاسباب السابق ذكرها فى مقالى وان المسئولية التاريخية لا تطال السيد عبد الله خليل وحده بل تطال كل حزب الامة الذى خسر المعركة البرلمانية وذلك باتحاد النواب المخلصين الوطنين فى ميدان عبد المنعم واتخاذهم قرار اسقاط حكومة عبد الله خليل واستبدالها بحكومة وطنية وذلك يعنى دخول البلاد فى مرحلة جديدة واتحاد كل المثقفين من اجل السودان عندما رأوا أن الحكومة تقود البلاد للخطر وتعمل من اجل مصالحها الحزبية .ذكر الصادق المهدى بأن الصديق المهدى كان خارج البلاد فى ذلك الوقت ولم يكن موافقاً على مباركة السيدين للأنقلاب بالطبع هذا الحديث مجافياً للحقيقة فأن أول اجتماع عقد فى منزله وكان حاضراً له وقد جاء فى كتاب حتى متى ص 117 مايلى : - " عقد أول اجتماع لهذا الغرض فى منزل السيد الصديق المهدى حضره عن حزب الامة الصديق المهدى وعبد الله خليل وزين العابدين صالح وحضره من الجيش إبراهيم عبود و أحمد عبد الوهاب وعوض عبد الرحمن وحسن بشير " وتوالت المؤامرات واللقائات ما بين عبد الله خليل وابراهيم عبود وذلك اتهيئة الجيش لأستلام السلطة وذلك قبل انعقاد البرلمان القادم فى يوم 17/11/1958 وفعلاً تم لهم ما أرادوا وأستلم عبود السلطة . ولنتأمل فى حديث و بيان السيد عبد الرحمن المهدى فقد أصدر بياً مطولاً أذاعه نيابة عنه السيد عبد الرحمن على طه أيد فيه الانقلاب وأعلن دعمه له ولرجال الجيش الذين أتوا لحماية الاستقلال وتحقيق مكاسب الوطن وقال فى بيانه بأن رجال الجيش قبضوا على زمام الامور بيد الشعب القوية لضرب الفساد والفوضى والعبث " وانه آن لنا أن نفرح ونسعد بأن الله قد هيء لنا من أبنائنا قادة الجيش وجنوده من يتولى زمام الحكم بحق وحزم ليحقق ما عجز عن تحقيقه السياسيون " كتاب حتى متى ص 119 . أى شعب هذا الذى يتحدث عنه السيد عبد الرحمن المهدى الشعب الذى رفض المعونة الامريكية ورفض قراراتكم الجائرة بعدم شرعية اتحاد العمال ووقف بشدة ضد الهمجية والقرارات العشوائية من حكومتكم الموقرة وأى فساد يتحدث عنه فساد البرلمان أو النواب أو الاحزاب وخاصة حزب الامة واذا كانت لكم رغبة فى حماية الاستقلال وتحقيق مكاسب للوطن لما لم تنتظرواً يوم 17/11/1958 موعد انعقاد البرلمان لترى ما كان سيفعله أو سيحققه اولائك النواب الذين ذكرت فى حديثك عنهم بأنهم عجزوا عن حماية الاستقلال .ان التاريخ لن يغفر لكم أبداً فقد فتحتم الباب على مصرعيه لرجال الجيش لأستلام السلطة وتذوق طعمها ولازلنا نعانى من قفز المقامرين منهم على السلطة فى أى لحظة وأصبح كل تفكير كل من يلتحق بالكلية الحربية هو القيام بأنقلاب عسكرى ذه هى ديمقراطيتكم التى تتحدثون عنها وتفاخرون بها وقد مللناها ولا نريد ان تعود مرة اخرى وتطل بوجهها القبيح نريد ان ننعم بالاستقرار والاستقلال نريد من(قوى السودان الجديد) ان تلتحم وتتفق على المسئولية التاريخية الملقاة على عاتقها بتحقيق الديمقراطية الحقيقية والرفاهية لشعبنا الصابر والصامد والاعداء المتربصين كثيرين لذا لابد من اتحادنا اكثر واكثر فالاهداف والغايات واحدة والدرب طويل وشائك ولابد من اجتياز كل العقبات وبذل مزيد من التضحيات لاجل ازالة( السودان القديم) بكل موروثاته البغيضة وانشاء السودان الجديد.
No comments:
Post a Comment