من اجل السودان والديمقراطية وحقوق الانسان

مدونتى الخاصة تحتوى على مقالات سياسية وثقافية وبعض من النثر والخواطر من اجل سودان معافى وسودان يسع الجميع

Friday 15 November 2013

لمحة تاريخية عن قبائل البجا



لمحة  تاريخية عن قبائل البجا
بكرى سوركناب


تقع بلاد البجا على الساحل الغربى للبحر الاحمر وتبلغ مساحتها110000 ميل مربع وتمتد حدودها شمالا حتى الحدود المصرية بعد بئر شلاتين شمال ميناء حلايب والى الجنوب حتى قرية قرورة , اما من ناحية الغرب  فحدود هذه البلاد تشمل الاراضى والتلال المحاذية للنيل من الشمال حتى مدينةعطبرة وتحوى نهرعطبرة وضفافه الى الحدود الحبشية الارترية, اما من ناحية الشرق فان ساحل البحر الاحمر الغربى هو حدوده النهائية.       
 فى هذه البقعة تسكن قبائل البجا المختلفة منذ الاف السنين وانتشرت جماعاتها وافرادها يضربون فى وديان بلادهم ويرقون جبالها ويقطعون صحاريها. ذكر اندرو بول  الاتى عن البجا:( وللتاريخ فان بقاء البجا على هذه الحالة يعتبر من الامور التى تثير العجب  وقد يرجع ذلك لاسباب عدة منها قساوة المنطقة التى يعيشون فيها ولكن يرجع ذلك فى المقام الاول الى شخصيتهم المتميزة التى  تطبعت لحياة بدوية اقترنت بخشونة خالية من الحساسيات)  .   
كما ذكرت الدكتورة ( نادية بدوى ) فى كتابها (يوميات باحثة  مصرية فى حلايب ) عن الفكر والمعتقد والشخصية بالنسبة لشعب البجا ( تتصف قبائل البجا  بالثبات والاستمرار النسبى ويبدو هذا واضحا من استمرارها بنفس الاسم وبنفس الموطن لمدة تزيد عن ستة الاف عام والثبات على نفس النظم القديمة التى  ورثوها عن اجدادهم القدامى  فمن ناحية النظام الاقتصادى  نجدهم مارسوا الصيد والقنص من عام 400 ق م وحتى عام 500 ق م وبعد ان دخل الجمل مصر عرفوه ومارسوا الرعى حتى اليوم, ومن ناحية المعتقد  نجد ان الديانة البجاوية وهى خليط من الديانة ( الفرعونية  والرومانية والزنجية ) ما زالت تعيش وتحيا  وتمارس من خلال العادات والتقاليد التى تمارس فى الزواج والميلاد والوفاة والحياة اليومية بالرغم من اعلانهم الاعتقاد بالدين الاسلامى , وكانت للبيئة اثر عظيم فى عزلة هذا الشعب داخل الصحراء وحفظه بعيدا عن  المؤثرات التى يموج بها وادى النيل ونتيجة لتلك العزلة اضحى لدينا شعب مميز فى شكله الفيزيقى والذى  يقترب من ملامح قدماء المصريين وايضا فى ثقافته ولغته حيث تعتبر اللغة البجاوية شقيقة اللغة الفرعونية   وينتميان لاسرة واحدة هى اسرة اللغات الكوشية, ويتميز البجاوى بالروح القتالية فحب القتال قيمة اصيلة ومتاصلة فيه يحرص عليها وترجع جزورها الى العصور القديمة حينما خرج من شعب الصحراء الاله ( منتو ) الذى عبده قدماء المصريين وجعلوه اله للحرب ورفعوه لمرتبة الالهة العظمى وجعلوه زوجا ل(ايزيس ) ولنا ان نتصور حال الشعب الذى انحدر من من اله الحرب فالحياة فى فلسفته هى الحرب والحرب هى الحياة ويشهد  التاريخ على تلك الصفة فهو ملئ بالمعارك الكثيرة بين فروع البجا وبين جيرانها, واذا كان حب القتال هو محور الشخصية البجاوية فان الملامح الاخرى للشخصية تتم  وتكمل تلك الصفة مثل الصلابة والكبرياء وعدم الخضوع وايضا الجمود  العاطفى , ظل البجا على امتداد تاريخهم الطويل فى عزلة تامة غير خاضعين لاى سلطة مهما كان نوعها او مصدرها وبقوا مبعثرين فى جبالهم وصحاريهم بعيدين كل البعد عن اى اتصال  خارجي محافظين بذلك على حريتهم واستقلالهم وغير عابئين بما يجرى حولهم وظلت منظقتهم بمنجاة عن نفوذ الدويلات التى قامت فى السودان حتى جاء الغزو التركى الذى سيطرعلى كل اجزائه رغم مقاومتهم له وقد اتخذ ذلك شكلا ثوريا لدى بعض ابناء البجا الذين تجمعوا حول عثمان دقنة الذى قام بافشال مخططات الانجليز الرامية الى الوصول لوسط السودان عن طريق البحر الاحمر .         
عرف قدماء  المصريين البجا واتصلوا بهم وظهر فى نقوشهم لفظ ( البقة ) وهو لفظ قريب جدا من البجا , اما جيرانهم من الجنوب الشرقى وهم سكان مملكة اكسوم فانهم دونوا فى اثارهم لفظ ( بوقيتة ) على سكان  بلاد البجا ويرى سليجمان بان البجا يمثلون النموذج الحاضر لقدماء المصريين  , كما كتبت الدكتورة نادية بدوى فى كتابها المذكور سابقا ( منذ القدم والصحراء الشرقية اهلة بالسكان وكان اسمهم فى الزمن القديم  ( البيلميين ) واسماهم قدماء المصريين ميجا او ميجاوى وهى كلمة فرعونية تعنى الرجل المحارب وذلك لانهم استعانو بهم فى مختلف الاعمال الحربية والخاصة بحماية الباب الشرقى لمصر وهو ساحل البحر الاحمر ) . ويؤكد العالم الانجليزى سليجمان  ( ان السلالة التى تقطن الصحراء الشرقية بمصر والسودان شديدة الشبه بسلالة قدماء المصريين وخاصة عهد ما قبل الاسر, وقد لستطاعوا الحفاظ على نقاء سلالتهم بعزلتهم الشديدة داخل الصحراء ويرى ان البجا هم ورثة التراث الثقاقى والفيزيقى والتاريخى للفراعنة ) . 
وقد قامت عدة محاولات من جانب الجيولوجيين لمعرفة اصول البجا ومن خلال البحث والتنقيب عثر فى مقابر ( البلامس ) حول جبال ( مامان ) فى شرق السودان ووصلوا الى نتيجة لاتقبل الجدل وهى ان جماجم اصحابها سامية اى انها عنصر راق وهذه المقابر تحفظ تحتها اجساد البجا الاوائل التى عثر عليها منتشرة فى العديد من جبال البحر الاحمر . انقسمت البجا الى عدة ممالك متفرعة عن مملكتها الرئيسية وكانت دائما تفق صفا واحدا وسدا  منيعا ضد المغيرين والمعتدين بالاضافة الى ذلك فان مملكة البجا درجت على انتهاك حرمات الحدود المصرية وقد انقسمت الى خمس ممالك لكل منها حدودها وسلطانها وهذه الممالك هى                                                                                                                   
مملكة ناقص : وهى تبدا شمالا من اول الحدود المصرية وفى غربها اسوان                                                         
 مملكة بقلين : وهى تقع بين خور بركة وساحل البحر الاحمر المجاورة لمملكة جارين                                               
مملكة بازين : وهى تقع بين مملكة علوة وبقلين                                                                                   
مملكة جارين : على السواحل الجنوبية حتى جبل رورا ( بقلة ) قرب مدينة نقفة بارتريا                                          
مملكة قطاع : تبدا من مدينة نقفة حتى سمهر ( مصوع )                                                                       
سادت اللغة البجاوية فى كل بلاد البجا ولابد ان عراها بعض التغيير بسبب التطور الطبيعى لللغات ومن المعتقد انها من اللغات الحامية، كما ان لغة البنى عامر تعتبر من اللغات السامية ( للبجا لغتان ( بداويت والتقرية ) ويتحدث البنى عامر اللغتين بنسب متفاوتة ) وذكر نعوم شقير نقلا عن لبسيوس من ان اللغة البجاوية هى لغة مروى القديمة ، اما الدكتور هيس الالمانى الذى كان مقيما بمصر لدراسة اللغة النوبية فيقول ( ان اللغة البجاوية هى لغة مروى القديمة بدليل ان بعضا من كلماتها الاساسية مثل الماء والنار الارض تشابه ما رد من الاسماء فى تاريخ مروى وتعنى كلمة مروى ( مرأوى) باللغة البجاوية الشتاء الطويل ووجوداسم بجاوى لمدينة المتمة ( مأتمة) ومعناها المركز وشندى ( شئن دا وتعريبها اناس كبار )والدامر ومعناها الموطن واتبره ومعناها بحر اللبن وجبل ( مليكيت ) جوار قرية ( قرى ) ومعناها الملح ، بالاضافة الى ان القبائل الفرعية تستعمل خاتمة ( آب) فى اسمائها ولايوجد معنى لها فى اللغة العربية وهى مقتبسة من كلمة ( دواب ) وتعنى فرع من القبيلة او اهل مثل اسماء بعض القبائل البجاوية ( شرعاب ،  كميلاب )   
كانت منطقة البجا منطقة جاذبة لأهميتها الجغرافية فهى المدخل الشرقى لافريقيا عبر موانئهم القديمة ( سواكن , باضع , عيزاب ) الى جانب المعان النفيسة فى المنطقة كوادى العلاقى , وفى فترات سحيقة من التاريخ بدأت هجرات سبيئة من جنوب شبه الجزيرة العربية على هيئة جماعات كبيرة وصغيرة متفرقة , تشير المكتشفات الأثرية الى احتمال حدوث ذلك قبل حوالى عشرة الآف سنة قبل الميلاد , كما شهدت هجرات من بعض شعوب اسيا كالهنود من خلال مرور تجارتهم عبر بلادهم كما كانت هناك بعض الهجرات التى استقرت فى المنطقة كبعض الحجاج المسيحيين وهم فى طريقهم الى فلسطين من الداخل الافريقى ومن الحبشة .
كانت للبجا كثير من الحروبات مع جيرانهم النوبة والفراعنة وكل الدول التى حكمت مصر كالبطالسة والرومان والدولة الاسلامية وقد حاربوا مملكة اكسوم والممالك التى قبلها فى المنطقة , ومن اشهر تلك الحروب حربهم ضد الرومان فى مصر وتحالفهم مع الملكة ( زنوبيا ) ملكة تدمر وقد استطاعوا الوصول الى منطقة سوهاج بمصر الا ان حلفائهم التدمريين اصيبوا بنكسة أدت الى ان يستطيع الرومان طرد البجا من مصر عام 272 م.
كانت العلاقة بين مملكة اكسوم والبجا علاقة عداء بحكم الجوار ورغبة كل منها فى السيطرة على الأخر فلم تسلم مملكة اكسوم من هجمات ونزعات البجا كما ان البجا لم يسلموا من هجمات الاحباش وبلغ التهديد الذى واجهه البجا اقصاه عام 390 م عندما واجهوا مملكة اكسوم من الجنوب والرومان من الشمال .  كما كانت بين البجا والنوبة مواقع عديدة سجلت على جدران معبد ( كلابشا ) , وقد تحالف البجا مع النوبة ايام الامبراطور ( مارشيان ) الرومانى على غزو بلاد مصر العليا فزبحوا الرومانيين وعمالهم مما اضطر الرومان الى طلب الصلح معهم على الرغم من ذلك استمرت الحروب بينهم الى ان دالت دولة الرومان الى الجيش العربى الإسلامى فى القرن السابع الميلادى , فى عام 831 م كانت للبجا حروبهم المشهورة مع والى اسوان انتهت بهزيمتهم والاتفاق على هدنة بينهم ( اتفاقية البقط ) المشهورة

No comments: